فصل: السنة الثانية عشرة من خلافة المستنصر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


 السنة الثانية عشرة من خلافة المستنصر

وهي سنة تسع وثلاثين وأربعمائة‏.‏

فيها وقع الغلاء والوباء بالموصل والجزيرة وبغداد ووصل كتاب من الموصل أنهم أكلوا الميتة وصفى الجمعة أربعمائة نفس ومات الباقون وكانوا زيادة على ثلاثمائة إنسان وبيعت الرمانة بقيراطين واللينوفرة بقيراطين أيضًا والخيارة بقيراط‏.‏

قاله صاحب مرآة الزمان‏.‏

وفيها توفي أحمد ابن أحمد بن محمد أبو عبد الله القصري من قصر ابن هبيرة‏.‏

ولد سنة ست وأربعين وثلاثمائة‏.‏

وسمع الحديث وكان من أهل العلم والقرآن يختم القرآن في كل يوم مرة وكان معروفًا بالسنة‏.‏

ومات في شهر رجب ودفن بباب حرب‏.‏

وكان صدوقا صالحًا ثقة‏.‏

وفيها توفي أحمد بن عبد العزيز بن الحسن أبو يعلى الطاهري من ولد طاهر ابن الحسين الأمير‏.‏

ولد سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة وقرأ الأدب وسمع الحديث‏.‏

ومات في شوال‏.‏

وكان فصيحًا صدوقًا‏.‏

وفيها توفي أحمد بن محمد بن عبد الله بن أحمد أبو الفضل الهاشمي العباسي من ولد هارون وفيها كان الطاعون العظيم بالموصل والجزيرة وبغداد وصلي بالموصل على أربعمائة نفس دفعة واحدة وبلغت الموتى ثلاثمائة ألف إنسان‏.‏

وفيها توفي عبد الواحد بن محمد بن يحيى بن أيوب أبو القاسم البغدادي الشاعر المشهور كان يعرف بالمطرز‏.‏

مات ببغداد في جمادى الآخرة‏.‏

وفيها توفي محمد بن الحسين بن علي بن عبد الرحيم الوزير أبو سعد وزير جلال الدولة بن بويه‏.‏

لقي شدائد من المصادرات من الأتراك حتى آل أمره أنه خرج من بغداد مستترًا وأقام بجزيرة ابن عمر حتى مات في ذي القعدة‏.‏

وفيها توفي محمد بن علي بن محمد بن إبراهيم أبو الخطاب الشاعر الجبلي أصله من قرية جبل عند النعمانية ببغداد‏.‏

كان فصيحًا شاعرًا‏.‏

رحل إلى البلاد ثم عاد إلى بغداد وقد كف بصره فمات بها‏.‏

وكان رافضيًا خبيثًا‏.‏

ومن شعره‏:‏ المنسرح‏.‏

ما حكم الحب فهو ممتثل وما جناه الحبيب محتمل تهوى وتشكو الضنى وكل هوى لا ينحل الجسم فهو منتحل أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم سبع أذرع وثلاث وعشرون إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وسبع أصابع‏.‏

وهي سنة أربعين وأربعمائة‏.‏

فيها تمت عمارة سور شيراز ودوره اثنا عشر ألف ذراع وارتفاع حائطه عشرون ذراعًا وله عشرة أبواب‏.‏

وفيها ولى المستنصر صاحب الترجمة خليفة مصر القائد طارقًا الصقلبي على دمشق وعزل ناصر الدولة الحسن بن الحسين بن عبد الله بن حمدان وقبض عليه واستقدمه إلى مصر ثم صرف المستنصر طارقًا عن إمرة دمشق في سنة إحدى وأربعين وولى مكانه عدة الدولة المستنصري ثم صرفه أيضًا عنها وبعث به إلى حلب وولى دمشق حيدرة بن الحسين بن مفلح ويعرف بأبي الكرم المؤيد فأقام عليها حيدرة تسع سنين‏.‏

وفيها في شعبان ختن الخليفة القائم بأمر الله العباسي ابنه أبا العباس محمدًا ولقبه بذخيرة الدين وذكر اسمه على المنابر‏.‏

وفيها لم يحج أحد من العراق‏.‏

وحج الناس من مصر وغيرها‏.‏

وفيها توفي محمد بن جعفر بن أبي الفرج الوزير أبو الفرج ويلقب ذا السعادات‏.‏

وزر لأبي كاليجار بفارس وبغداد‏.‏

وكان وزيرًا فاضلا عادلا شاعرًا‏.‏

ومات في شهر ربيع الآخر وقيل‏:‏ في جمادى الأولى‏.‏

ومن شعره‏:‏ وإن فراقكم في كل حال لأوجع من مفارقة الشباب وفيها توفي السلطان أبو كاليجارة واسمه المرزبان بن سلطان الدولة بن بهاء الدولة فيروز بن عضد الدولة بويه بن ركن الدولة الحسن بن بويه بن فناخسرو الديلمي‏.‏

ولد بالبصرة سنة تسع وتسعين وثلاثمائة في شوال ومات ليلة الخميس منتصف جمادى الأولى‏.‏

وكانت ولايته على العراق أربع سنين وشهرين وأيامًا ومدة ولايته على فارس والأهواز خمسًا وعشرين سنة‏.‏

وكان شجاعًا فاتكًا مشغولا بالشرب واللهو‏.‏

ولما مات كان ولده أبو نصر ببغداد في دار الملك نيابة عن أبيه فلقبه الخليفة القائم بأمر الله الملك الرحيم وخلع عليه خلعة السلطنة‏.‏

وكانت الخلع سبع جباب كاملة والتاج والطوق والسوارين واللواءين كما كان فعل بعضد الدولة‏.‏

وفيها توفي الفضل - وقيل‏:‏ فضل الله - بن أبي الخير محمد بن أحمد أبو سعيد الميهني العارف بالله صاحب الأحوال والكرامات‏.‏

مات بقرية ميهنة من خراسان في شهر رمضان وله تسع وسبعون سنة بعد أن سمع الحديث وروى عنه جماعة وتكلم في اعتقاده ابن حزم‏.‏

والله أعلم بحاله‏.‏

وفيها توفي محمد بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن إسحاق بن زياد أبو بكر الأصبهاني التاجر المعروف بابن ريفة‏.‏

روى عن الطبراني معجميه الكبير والصغير‏.‏

وطال عمره وسار ذكره وتفرد بأشياء‏.‏

ذكره أبو زكريا بن منده وقال‏:‏ الفقيه الأمين‏.‏

كان أحد وجوه الناس وافر العقل كامل الفضل أحسن الخط يعرف طرفًا من النحو واللغة‏.‏

وفيها توفي محمد بن محمد بن إبراهيم بن غيلان بن عبد الله بن غيلان بن حكيم أبو طالب الهمذاني البغدادي البزاز أخو غيلان المقدم ذكره‏.‏

سمع من أبي بكم الشافعي أحد عشر جزءًا معروفة بالغيلانيات وتفرد في الدنيا عنه‏.‏

قال أبو بكر الخطيب‏:‏ كتبنا عنه وكان صدوقًا دينًا صالحًا‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع وثلاث وعشرون إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وسبع عشرة إصبعًا‏.‏

السنة الرابعة عشرة من خلافة المستنصر وهي سنة إحدى وأربعين وأربعمائة‏.‏

فيها كانت فتنة بين أهل السنة والرافضة‏.‏

قال القاضي أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي‏:‏ أهل الكرخ طائفة نشأت على سب الصحابة وليس للخلافة عليها أمر‏.‏

قلت‏:‏ وعدم أمر الخليفة عليهم لميل بني بويه إليهم في الباطن فإنهم أيضًا من كبار الشيعة وهم يوم ذلك سلاطين بغداد غير أنهم كانوا لا يظهرون ذلك خوفًا على الملك‏.‏

وفيها هبت ريح سوداء ببغداد أظلمت الدنيا وقلعت رواشن دار الخلافة ودار المملكة ودور الناس واقتلعت من الشجر والنخل شيئًا كثيرًا‏.‏

وفيها نزل طغرلبك السلجوقي الري ولم يتحقق موت أبي كاليجار بن بويه ثم فحص عن ذلك حتى تحقق وفاته‏.‏

وفيها دخل السلطان مودود بن مسعود بن محمود بن سبكتكين بلاد الهند ووصل إلى الأماكن التي كان وصل إليها جده محمود‏.‏

وفيها توفي أحمد بن حمزة بن محمد بن حمزة بن خزيمة أبو إسماعيل الهروي الصوفي‏.‏

كان يعرف بعفويه وكان شيخ الصوفية بهراة‏.‏

سمع الكثير بالعراق والشام‏.‏

ومات بهراة في شهر رجب‏.‏

وفيها توفي محمد بن علي بن عبد الله الصوري الحافظ‏.‏

ولد بصور سنة ست وسبعين وثلاثمائة وقدم بغداد وسمع الحديث على كبر السن وعني به‏.‏

وكان إمامًا صحيح النقل دقيق الخط صائمًا قائمًا لا يفطر إلا في العيدين وأيام التشريق‏.‏

وكان حسن المحاضرة‏.‏

وله شعر على طريق القوم فمن ذلك من قصيدة‏:‏ المجتث‏.‏

تنال منه فنونًا تحظى بها وتثاب أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمس أذرع سواء‏.‏

مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وتسع أصابع‏.‏

السنة الخامسة عشرة من خلافة المستنصر وهي سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة‏.‏

فيها كان من العجائب أنه وقع الصلح بين أهل السنة والرافضة وصارت كلمتهم واحدة‏.‏

وسبب ذلك أن أبا محمد النسوي ولي شرطة بغداد وكان فاتكًا فاتفقوا على أنه متى رحل إليهم قتلوه واجتمعوا وتحالفوا وأذن بباب البصرة ب حي على خير العمل وقرئ في الكرخ فضائل الصحابة ومضى أهل السنة والشيعة إلى مقابر قريش فعد ذلك من العجائب فإن الفتنة كانت قائمة والدماء تسكب والملوك والخلفاء يعجزون عن ردهم حتى ولي هذا الشرطة فتصالحوا على هذا الأمر اليسير‏.‏

فلله الأمر من قبل ومن بعد‏.‏

وفيها توفي علي بن عمر بن محمد بن الحسن أبو الحسن الزاهد المعروف بابن القزويني‏.‏

ولد بالحربية ببغداد في المحرم سنة ستين وثلاثمائة وكان إمامًا فاضلا زاهدًا قرأ النحو وسمع الحديث وفيها توفي الأمير قرواش بن المقلد أبو المنيع صاحب الموصل والكوفة والأنبار‏.‏

وقرواش بفتح القاف والراء المهملة والواو وبعد الألف شين معجمة ساكنة‏.‏

ومعناه باللغة التركية عبد أسود‏.‏

وكان قرواش هذا قد خلع عليه الخليفة القادر بالله ولقبه معتمد الدولة‏.‏

وكان قد جمع بين أختين فلامه الناس على ذلك فقال لهم‏:‏ خبروني ما الذي نستعمله مما تبيحه الشريعة‏!‏ فهذا من ذاك‏.‏

وكان الحاكم بأمر الله استماله فخطب له ببلاده ثم رجع عن ذلك‏.‏

ولما مات قرواش ولي مكانه ابن أخيه قريش بن بدران بن المقلد المقدم ذكره في ترجمة المستنصر أنه كان مع البساسيري‏.‏

ويأتي ذلك أيضًا في محله مختصرًا‏.‏

وفيها توفي السلطان مودود بن مسعود بن محمود بن سبكتكين صاحب غزنة وغيرها من بلاد الهند وغيره‏.‏

ومات بغزنة وقام مقامه عمه عبد الرشيد بن محمود بن سبكتكين اختاره أهل المملكة فأقاموه‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمس أذرع سواء‏.‏

مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وست عشرة إصبعًا‏.‏

السنة السادسة عشرة من خلافة المستنصر فيها في صفر عادت الفتنة بين أهل السنة والرافضة ببغداد وكتب أهل الكرخ على برج الباب‏:‏ محمد وعلي خير البشر فمن رضي شكر ومن أبى فقد كفر‏.‏

وثارت الفتنة بينهم ولم يقدر على منعهم الخليفة ولا السلطان‏.‏

واستنجد الخليفة بعيار من أهل عرب ريحان فأحضر إلى الديوان واستتيب عن الحرام وسلط على أهل الكرخ فقتل منهم جماعة كثيرة‏.‏

وفيها أقام ابن المعز بن باديس الصنهاجي ملك الغرب الدعوة بالمغرب للقائم بأمر الله العباسي وأبطل دعوة بني عبيد خلفاء مصر من الغرب‏.‏

وكان المعز لدين الله معد خرج من المغرب وقصد الديار المصرية سلمها إلى المعز بن باديس‏.‏

فأقام بها سنين إلى أن توفي وملكها ابنه من بعده فأقام مدة سنين يخطب لبني عبيد إلى هذه السنة فأبطل الدعوة لهم وخطب لبني العباس ودعا للقائم بأمر الله وهو ببغداد‏.‏

فلم تزل دعوة العباسية بعد ذلك بالمغرب حتى ظهر محمد بن تومرت بالمغرب وتلقب بالمهدي وقام بعده عبد المؤمن بن علي فقطع الدعوة لبني العباس في أيام المقتفي العباسي على ما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

وفيها لم يحج أحد من العراق‏.‏

وحج الناس من مصر وغيرها‏.‏

وفيها توفي أحمد بن عثمان بن عيسى أبو نصر الجلاب كان محدثًا ثقة وأخرج له أبو بكر الخطيب حديثًا عن ابن عمر‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قرئت عنده سورة الرحمن فقال‏:‏ ‏"‏ ما لي أرى الجن أحسن جوابًا لردها منكم ‏"‏‏.‏

قالوا‏:‏ وما ذاك يا رسول الله قال‏:‏ ‏"‏ ما أتيت على قول الله تعالى ‏"‏ فبأي آلاء ربكما تكذبان ‏"‏ إلا قالت الجن ولا بشيء من نعمك يا ربنا نكذب ‏"‏‏.‏

وفيها توفي إسماعيل بن علي بن الحسين زنجويه أبو سعد الحافظ الرازي الحنفي كان إمامًا فاضلا‏.‏

طاف الدنيا ولقي الشيوخ وأثنى عليه العلماء وكان ورعًا زاهدًا فاضلا إمام أهل زمانه بغير مدافعة أو ما رأي مثل نفسه في كل فن وكان يقال له‏:‏ شيخ العدلية ومات بالري ودفن بجنب الإمام محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة‏.‏

وكان قرأ على ألف وثلاثمائة شيخ وقرأ عليه ثلاثة آلاف‏.‏

قال ابن عساكر‏:‏ سمع نحوًا من أربعة آلاف شيخ ومات وله أربع وتسعون سنة‏.‏

وفيها توفي محمد بن محمد بن أحمد أبو الحسن البصروي كان شاعرًا فصيحًا فاضلا ظريفًا صاحب نوادر‏.‏

ومن شعره‏:‏ الوافر ترى الدنيا وزهرتها فتصبو وما يخلو من الشبهات قلب فضول العيش أكثرها هموم وأكثر ما يضرك ما تحب وفيها توفي المفضل بن محمد بن مسعود أبو المحاسن التنوخي المعري الفقيه الحنفي‏.‏

تفقه على القدوري وأخذ الأدب عن أبي عيسى الربعي وبرع في فنون وناب في القضاء بدمشق وولي قضاء بعلبك وصنف تاريخ النحاة وأهل اللغة‏.‏

ومات بدمشق ولم يخلف بعده مثله‏.‏

أمر النيل ني هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمس أذرع سواء‏.‏

مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا واثنتا عشرة إصبعًا‏.‏

السنة السابعة عشرة من خلافة المستنصر وهي سنة أربع وأربعين وأربعمائة‏.‏

فيها برز محضر من ديوان الخليفة القائم بأمر الله العباسي بالقدح في أنساب خلفاء مصر وأنهم ديصانية خارجون عن الإسلام من جنس المحضر الذي برز في أيام القادر بالله وقد ذكرناه في وقته وأخذ فيه خطوط القضاة والشهود والأشراف وغيرهم‏.‏

وفيها كانت في مدينة أرجان والأهواز زلازل عظيمة ارتجت منها الأرض وقلعت الجبال وخربت القلاع وامتدت هذه الزلازل إلى بلاد كثيرة‏.‏

وفيها استولى طغرلبك محمد بن ميكائيل السلجوقي على همذان ونواحيها وطمع في قصد العراق‏.‏

وفيها توفي الحسن بن علي بن محمد بن علي أبو علي التميمي الواعظ سمع الحديث الكثير وروي عنه مسند الإمام أحمد عن القطيعي‏.‏

وفيها توفي سهل بن محمد بن الحسن أبو الحسن الفاسي الصوفي سمع الكثير وحدث بالعراق ودمشق وصور وتوجه إلى مصر فمات بها‏.‏

وكان أديبًا شاعرًا على طريق القوم‏.‏

فمن ذلك قوله‏:‏ الطويل إذا كنت في دار يهنيك أهلها ولم تك محبوبًا بها فتحول وأيقن بأن الرزق يأتيك أينما تكون ولو في قعر بيت مقفل وفيها توفي عثمان بن سعيد بن عثمان بن سعيد بن عمر الإمام أبو عمرو الأموي مولاهم القرطبي المقرئ الحافظ المعروف بابن الصيرفي أولا ثم بأبي عمرو الداني صاحب التصانيف‏.‏

كان أحد الأئمة في علم القرآن ورواياته وتفسيره ومعانيه وطرقه وجمع في ذلك كفه تواليف حسانًا مفيدة يطول تعدادها‏.‏

قال الحافظ أبو عبد الله الذهبي‏:‏ وبلغني أن مصنفاته مائة وعشرون مصنفًا‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمس أذرع وأربع عشرة إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وخمس أصابع‏.‏

وهي سنة خمس وأربعين وأربعمائة‏.‏

فيها وقف طغرلبك السلجوقي على مقالات الأشعري كان طغرلبك حنفيًا فأمر بلعن الأشعري على المنابر وقال‏:‏ هذا يشعر بأن ليس لله في الأرض كلام‏.‏

فعز ذلك على أبي القاسم القشيري وعمل رسالة سماها شكاية أهل السنة ما نالهم من المحنة‏.‏

ووقع بعد ذلك أمور حتى دخل القشيري وجماعة من الأشعرية إلى السلطان طغرلبك المذكور وسألوه رفع اللعنة عن الأشعري‏.‏

فقال طغرلبك‏:‏ الأشعري عندي مبتدع يزيد على المعتزلة لأن المعتزلة أثبتوا أن القرآن في المصحف وهذا نفاه‏.‏

قال الحافظ أبو الفرج بن الجوزي رحمه الله‏:‏ لو أن القشيري لم يعمل في هذه رسالة كان أستر للحال لأنه إنما ذكر فيها أنه وقع اللعن على الأشعري وأن السلطان سئل أن يرفع ذلك فلم يجب ثم لم يذكر له حجة ولا دفع للخصم شبهة‏.‏

وذكر ابن الجوزي من هذا النوع أشياء كثيرة حتى قال‏:‏ وذكر مثل هذا نوع تغفل‏.‏

انتهى‏.‏

وفيها توفي إبراهيم بن عمر بن أحمد أبو إسحاق الفقيه الحنبلي ويعرف بالبرمكي لأن أهله كانوا يسكنون بالبرمكية كان إمامًا عارفًا بمذهبه وله حلقة للفتوى بجامع المنصور وسمع خلقًا كثيرًا وروى عنه الخطيب وغيره وكان صالحًا زاهدًا ورعًا دينًا صدوقًا ثقة‏.‏

وفيها توفي أحمد بن عمر بن روح أبو الحسين النهرواني كان فاضلا شاعرًا‏.‏

قال‏:‏ كنت على وما طلبوا سوى قتلي فهان علي ما طلبوا فقلت له‏:‏ قف ثم قلت بديهًا‏:‏ أضف إليه‏:‏ على قلبي الأحبة بالت - - مادي في الجفا غلبوا وبالهجران طيب النو - - م من عيني قد سلبوا وما طلبوا سوى قتلي فهان علي ما طلبوا وفيها توفي مطهر بن محمد بن إبراهيم أبو عبد الله الصوفي الشيرازي أحد أعيان مشايخ الصوفية جاور بمدينة النبي صلى الله عليه وسلم أربعين سنة ورحل إلى بغداد ثم عاد إلى دمشق فمات بها في شهر رجب‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمس أذرع وأربع عشرة إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا سواء‏.‏

السنة التاسعة عشرة من خلافة المستنصر وهي سنة ست وأربعين وأربعمائة‏.‏

فيها استوحش الخليفة القائم بأمر الله من الأمير أبي الحارث أرسلان البساسيري واستوحش البساسيري منه‏.‏

وهذا أول الفتنة التي ذكرناها في ترجمة المستنصر هذا من أنه خطب له على منابر بغداد‏.‏

وكتب الخليفة القائم بأمر الله إلى طغرلبك السلجوقي في الباطن يستنهضه إلى المسير إلى العراق وكان بنواحي خراسان‏.‏

وفيها توفي الحسن بن علي بن إبراهيم أبو علي الأهوازي المقرئ كان إمامًا في القراءات وصنف في علوم القرآن كتبًا كثيرة وانتهت إليه الرياسة بالشام في القراءة وسمع الحديث الكثيرة وكان يكره مذهب الأشعري ويضعفه ومن أجله صنف ابن عساكر كتابه المسمى تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى أبي الحسن الأشعري‏.‏

وفيها توفي الحسين بن جعفر بن محمد بن جعفر بن داود أبو عبد الله السلماسي الفقيه الصالح كان مشهورًا بأفعال البر والصدقات ينفق ماله على الفقراء والصالحين وأخذ منه السلطان عشرة آلاف دينار قرضًا ثم أراد ردها فلم يقبلها وقال‏:‏ إنني رجل يأكل من مالي قوم لو علموا أنني أخذت من مال السلطان لامتنعوا‏.‏

وفيها توفي عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الأصبهاني الفقيه المحدث كان زاهدًا عالمًا ورعًا وكنيته أبو محمد ويعرف بابن اللبان‏.‏

أثنى على علمه وفضله جماعه من العلماء‏.‏

وكانت وفاته في جمادى الآخرة‏.‏

الماء القديم خمس أذرع سواء‏.‏

مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وأربع أصابع‏.‏

السنة العشرون من خلافة المستنصر وهي سنة سبع وأربعين وأربعمائة‏.‏

فيها دخل طغرلبك السلجوقي بغداد وهرب منها أبو الحارث أرسلان البساسيري إلى الرحبة وكاتب البساسري المستنصر صاحب مصر ومشت الرسل بينهما‏.‏

وفيها استولى أبو الحسن علي بن محمد الصليحي على اليمن وانتمى إلى المستنصر صاحب مصر وخطب له باليمن وأزال دعوة بني العباس منها وكان يدعى بها للقائم بأمر الله فصار يدعو للمستنصر هذا صاحب الترجمة‏.‏

وفيها توفي الحسين ابن علي بن جعفر بن علكان بن محمد بن دلف أبو عبد الله العجلي القاضي وكان يعرف بابن ماكولا ولي قضاء البصرة وبغداد وكان قاضيًا نزهًا عفيفًا دينًا أديبًا شاعرًا‏.‏

وفيها توفي علي بن المحسن بن علي بن محمد بن أبي الفهم أبو القاسم التنوخي القاضي تقلد القضاء في عدة بلاد وسمع الحديث الكثير وصنف الكتب المفيدة ومات في بغداد في المحرم‏.‏

وفيها توفي محمد ابن الخليفه القائم بأمر الله العباسي في حياة والده كان قد نشأ نشوءًا حسنًا ورشحه أبوه القائم بأمر الله للخلافة ولقبه ذخيرة الدين‏.‏

وكانت وفاته في ذي القعدة وحزن عليه أبوه القائم حزنًا شديدًا وخرج حتى صلى عليه بنفسه فصلى عليه وبينه وبين الناس سرادق وهم يصلون خلفه بصلاته وجلس الوزير رئيس الرؤساء للعزاء ثلاثة أيام ومنع من ضرب الطبول ثلاثة أيام فلما كان اليوم الرابع حضر عميد الملك وزير السلطان بين يدي القائم بأمر الله وأدى عن السلطان رسالة تتضمن التعزية والسؤال بقيام الوزير والجماعة من مجلس التعزية فقاموا ثم حمل تابوته بعد ذلك إلى الرصافة فدفن هناك‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع وست عشرة إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وأربع أصابع‏.‏

السنة الحادية والعشرون من خلافة المستنصر وهي سنة ثمان وأربعين وأربعمائة‏.‏

فيها عم الوباء والقحط بغداد والشام ومصر والدنيا وكان الناس يأكلون الميتة‏.‏

وبلغت الرمانة والسفرجلة دينارًا وكذا الخيارة واللينوفرة وانقطع ماء النيل بمصر وكان يموت بها في كل يوم عشرة آلاف إنسان‏.‏

وباع عطار واحد في يوم واحد ألف قارورة شراب‏.‏

ووقع بمصر أن ثلاثة لصوص نقبوا نقبًا فوجدوا عند الصباح موتى‏:‏ أحدهم على باب النقب والثاني على رأس الدرجة والثالث على الكارة التي سرقها‏.‏

وهذا الوباء والغلاء خلاف الغلاء الذي ذكرناه في ترجمة المستنصرة ويأتي ذكر ذلك أيضًا في محله‏.‏

غير أنه كان ينذر عن ذاك بأمور استرسلت إلى أن عظم الأمر‏.‏

وفيها أقيم الأذان في مشهد موسى بن جعفر ومساجد الكرخ ب الصلاة خير من النوم على رغم أنف الشيعة وأزيل ما كانوا يقولونه في الأذان من حي على خير العمل‏.‏

وفيها توفي جعفر بن محمد بن عبد الواحد أبو طالب الجعفري الشريف الطوسي شيخ الصوفية كان محدثًا فاضلا سافر إلى البلاد في طلب الحديث وسمع بالعراقين والشام وخراسان وغيرها‏.‏

وفيها توفي علي بن أحمد بن علي أبو الحسن المؤدب‏.‏

أصله من قرية ببلاد خوزستان يقال لها فالة بفاء ثم قدم البصرة وسمع الحديث ثم قدم بغداد ومات بها وكان محدثًا شاعرًا أديبًا فصيحًا ثقة‏.‏

وفيها توفي هلال بن المحسن بن إبراهيم بن هلال أبو الحسين الكاتب الصابئ صاحب التاريخ - قلت‏:‏ نقلنا عنه كثيرًا في هذا التاريخ - وكان مولده في سنة تسع وخمسين وثلاثمائة وجده إبراهيم هو صاحب الرسائل المقدم ذكر وفاته وأن الشريف الرضي رثاه وعيب عليه من كونه من الأشراف ورثى صابئًا‏.‏

وكان أبو هلال هذا المحسن صابئًا وأسلم هو متأخرًا وكان قبل أن يسلم سمع جماعة من النحاة منهم أبو علي الفارسي وعلي بن عيسى الرماني وغيرهما‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع وخمس عشرة إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وثلاث عشرة إصبعًا‏.‏

السنة الثانية والعشرون من خلافة المستنصر وهي سنة تسع وأربعين وأربعمائة‏.‏

فيها استعفى ابن النسوي من ولاية الشرطة ببغداد لاستيلاء الحرامية واللصوص عليها بحيث إنه أقيم جماعة لحفظ قصر الخليفة والطيار الذي للخليفة من الحريق لأن اللصوص كانوا إذا امتنع عليهم موضع حرقوه‏.‏

وفيها كان الطاعون العظيم ببخارى حتى إنه خرج منها في يوم واحد ثمانية عشر ألف إنسان‏.‏

وحصر من مات فيه فكان ألف ألف وستمائة ألف وخمسين ألف شخص‏.‏

ثم وقع في أذربيجان والأهواز وواسط والبصرة حتى كانوا يجفرون التربة الواحدة ويلقون فيها العشرين والثلاثين‏.‏

ثم وقع بسمرقند وبلخ فكان يموت في كل يوم ستة آلاف وأكثر‏.‏

وذكر صاحب المرآة في هذا الطاعون أشياء مهولة يطول الشرح في ذكرها منها أن مؤدب أطفال كان عنده تسعمائة صغير فلم يبق منهم واحد‏.‏

ومات من عاشر شوال إلى سلخ ذي القعدة بسمرقند خاضه مائتا ألف وستة وثلاثون ألفًا وكان ابتداء هذا الطاعون من تركستان إلى كاشغر وفرغانة انتهى‏.‏

وفيها توفي أحمد بن عبد الله بن سليمان بن محمد بن سليمان بن أحمد بن سليمان بن داود بن المطهر بن زياد بن ربيعة بن الحارث بن أنور بن أسحم بن أرقم بن النعمان بن عدي بن غطفان بن عمرو بن بريح بن جذيمة بن تيم الله بن أسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة أبو العلاء المعري التنوخي اللغوي الأعمى الشاعر المشهور صاحب التصانيف المشهورة‏.‏

قال الذهبي‏:‏ وصاحب الزندقة المأثورة‏.‏

وقال أبو المظفر في مرآة الزمان‏:‏ وتنوخ قبيلة من اليمن‏.‏

وتوفي أبو العلاء بمعرة النعمان في يوم الجمعة ثالث عشر شهر ربيع الأول‏.‏

ومولده يوم الجمعة لثلاث بقين من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وستين وثلاثمائة‏.‏

وأصابه جدري بعد ثلاث سنين من عمره فعمي منه‏.‏

وقال الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة‏.‏

قلت‏:‏ وقد اختلف الناس في أبي العلاء المذكور فمن الناس من جعله زنديقًا وهم الأكثر ومن الناس من أول كلامه ودفع عنه‏.‏

ومما يستشهد عليه من المقالة الأولى قوله‏:‏ الوافر عقول تستخف بها سطور ولا يدري الفتى لمن الثبور كتاب محمد وكتاب موسى وإنجيل ابن مريم والزبور وله في غير هذا المعنى أشياء كثيرة وتصانيف مشهورة منها سقط الزند وشرحه بنفسه وسماه ضوء السقط‏.‏

وله غير ذلك‏.‏

وفيها توفي إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن عابد بن عامر أبو عثمان الواعظ المفسر الصابوني النيسابوري شيخ الإسلام قال أبو عبد الله المالكي‏:‏ أبو عثمان ممن شهد له أعيان الرجال بالكمال في الحفظ والتفسير وغيرهما‏.‏

وقال البيهقي‏:‏ أنبأنا إمام المسلمين حقًا وشيخ الإسلام صدقًا أبو عثمان الصابوني‏.‏

وفيها توفي علي بن هندي القاضي أبو الحسن قاضي حمص‏.‏

وله سنة أربعمائة‏.‏

كان عالمًا فاضلا نزهًا عفيفًا فصيحًا مات بدمشق‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمس أذرع سواء‏.‏

مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وثلاث أصابع‏.‏

وهي سنة خمسين وأربعمائة‏.‏

فيها أقام أبو الحارث أرسلان البساسيري الدعوة للمستنصر ببغداد وخطب له على منابرها‏.‏

وقد استوعبنا واقعته مع الخليفة القائم بأمر الله العباسي في أول ترجمة المستنصر هذا فيطلب هناك‏.‏

وفيها ولى المستنصر الأمير ناصر الدولة أبا محمد الحسن بن الحسين بن حمدان على دمشق فدام بها إلى أن أمره المستنصر أن يتوخه إلى حلب في سنة اثنتين وخمسين لقتال العرب الذين استولوا عليها فتوجه إليها ودافع العرب بظاهرها فكانت بينهم وقعة هائلة انكسر فيها ناصر الدولة المذكور وعاد جريحًا واستولت العرب على أثقاله وما كان معه‏.‏

وفيها توفي داود جغري بك أخو السلطان طغرلبك السلجوقي وداود كان الأكبر‏.‏

ولم يقدم بغداد وكان مقيمًا بخراسان بإزاء أولاد محمود بن سبكتكين‏.‏

وهو حمو الخليفة القائم بأمر الله‏.‏

وكان ملكًا شجاعًا عاقلا جوادًا مدبرًا حكيمًا‏.‏

مات ببلخ‏.‏

وتوجه ولداه ياقوتي بك وقاورد بك إلى عند أخيهما متملك الأمر بعد أبيهما واسمه ألب أرسلان وقرر عمهما السلطان طغرلبك أمورهما وكان بأصبهان وقد عزم على قصد العراق‏.‏

وفيها توفي طاهر بن عبد الله بن طاهر أبو الطيب الطبري القاضي الشافعي‏.‏

تفقه بخراسان وبالعراق وولي القضاء بربع الكرخ‏.‏

ومولده سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة ومات يوم السبت عشرين أشهر ربيع الأول وقد بلغ مائة سنة وسنتين وهو صحيح العقل ثابت الفهم سليم الأعضاء والحواس‏.‏

وفيها توفي عبد الله بن علي بن عياض أبو محمد الصوري كان يلقب بعين الدولة كان جليلا نبيلا ولي القضاء بصور وسمع الكثير وخرج له أبو بكر الخطيب فوائد في أربعة أجزاء وقرأها عليه بصور‏.‏

وهو الذي أخذ الخطيب مصنفاته وادعاها لنفسه‏.‏

ومات فجأة في الزيب قرية بين عكا وصور في شوال‏.‏

وكان صدوقًا ثقة‏.‏

وفيها قتل الوزير رئيس الرؤساء علي بن الحسين بن أحمد بن محمد الوزير أبو القاسم كان من بيت رياسة ومكانة استكتبه القائم بأمر الله العباسي ثم استوزره ولقبه رئيس الرؤساء شرف الوزراء‏.‏

ومولده في شعبان سنة تسع وتسعين وثلاثمائة‏.‏

وكان عالمًا بفنون كثيرة مع سداد رأي ووفور عقل‏.‏

قتله أبو الحارث أرسلان البساسيري‏.‏

حسب ما ذكرناه في أول ترجمة المستنصر صاحب الترجمة‏.‏

وفيها توفي علي بن محمد بن حبيب أبو الحسن الماوردي البصري الإمام الفاضل الفقيه الشافعي صاحب التصانيف الحسان منها التفسير وكتاب الحاوي والأحكام السلطانية وقوانين الوزارة والأمثال‏.‏

وولي القضاء ببلدان كثيرة‏.‏

وكان محترمًا عند أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمس أذرع وسبع أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا واثنتا عشرة إصبعًا‏.‏